بعد استيائه العارم.. كيف تلقّف "الثنائي" خطاب سلام وما مصير حقيبة "المالية"
المعارضة تنتصر والقمصان السود تتمزّق و رعد يردّ بالتهديد
وجّه النواب الـ 86 الذين شاركوا في تسمية القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة رسالة إلى الداخل والخارج مفادها أنه يحق للشعب اللبناني الحلم بدولة وأن الأغلبية مع التغيير. سقط مرشّح "حزب الله" وحركة "أمل" الرئيس نجيب ميقاتي بالضربة القاضية، بعدما حملته القمصان السود عام 2011 للمرة الثانية إلى السراي بعد الـ 2005، وتحرّرت رئاسة الحكومة وعادت إلى موقعها الطبيعي. وشهدت الساعات الأخيرة قيادة حكيمة من المعارضة توّجتها "القوات اللبنانية" بمرونتها وجمعها الأضداد.
عاد الأمل مساء أمس بعد تصاعد الدخان الأبيض من بعبدا معلناً فوز القاضي سلام بـ 85 صوتاً مقابل 9 لميقاتي وامتناع 34 نائباً عن التصويت، ولأول مرّة تجري الاستشارات من دون تأثير سلاح "حزب الله" ومن دون طيف "القمصان السود". وكانت النتيجة بانتصار المحور المؤيد للدولة وسقوط مدوّ لمحور "الممانعة".
دفعت هذه النتيجة كتلة "الوفاء للمقاومة" بلسان رئيسها النائب محمد رعد إلى الخروج بعد اجتماعه مع الرئيس عون وتكلّم بلهجة التهديد والوعيد. ظهر رعد بمظهر الخاسر الأكبر الذي اعترف بخسارته لكنه خرج ليقول أنا لا أزال موجوداً، ورافعاً سيف الميثاقية وكأنها السلاح الأخير الذي يملكه بعد انهيار وتدمير منظومته العسكرية التي كان يستقوي بها على الداخل.
وما يثير الاستغراب هو كلام رعد عن الميثاقية، وهو وحزبه امتهنا ضرب كل الأعراف والدساتير والمواثيق بفعل قوّة السلاح. حاول إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى بسحب الوزراء الشيعة منها عام 2006 وعطّل البلد، ونفذ انقلاب 7 أيار عام 2008، وأسقط حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011، وأتى بالرئيس نجيب ميقاتي ضارباً بعرض الحائط أن الحريري كان حينها الممثل الأول للسنة في لبنان.
عطّل "حزب الله" الحياة السياسية وهزّ الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وذهب يحارب في سوريا ودخل حرب الإسناد التي دمّرته ودمّرت لبنان، وهنا يُطرح سؤال: هل ذهابه إلى هذه الحرب كان قراراً ميثاقياً بموافقة جميع اللبنانيين من جميع الطوائف؟
أظهرت الاستشارات النيابية الملزمة، وقبلها انتخاب الرئيس، أن هناك فريقاً انتصر لمشروع الدولة وهزم فريق "الممانعة"، وما صورة وجوه نواب "حزب الله" المتجهمة التي خرجت من قصر بعبدا إلا دليل على تلك الهزيمة.
هدّد رعد، وفي تفكيره أن الشعب والنواب سيخافون منه، وتناسى أنه فقد قوّة القرار والتأثير وكُسرت هيبته، ولم تعد تنفع كل التهديدات لأن البلاد دخلت مرحلة جديدة، استطاعت خلالها القوى المعارضة بقيادة "القوات اللبنانية" قلب المشهدية السياسية بفعل الإيمان بمشروع الدولة.
صحيح أن المسافة التي فصلت بين انتخاب الرئيس والاستشارات كانت قصيرة، لكن المعارضة أعدّت العدّة جيداً، ففور انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون، حاول فريق "الممانعة" الإيحاء بعودة ميقاتي إلى السراي بفعل الضمانات التي حصل عليها. لكن الاستشارات أثبتت غياب أي ضمانة، بل تركت المعركة للإدارة الداخلية، فلا المعارضة تنازلت عن رئاسة الحكومة ولا السعودية في معرض تقديم الهدايا المجانية لمحور "الممانعة" المنهزم.
معراب تكثّف المشاورات
أطلق رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع معركة رئاسة الحكومة، وأثبت الاحترام والوفاء لحلفائه السنة، على اعتبار هذا الموقع سنياً، وأيد ترشيح كل من النائبين فؤاد مخزومي وأشرف ريفي.
وفي التفاصيل، بعد انتخاب الرئيس عون الخميس وإعلانه في اليوم التالي عن موعد الاستشارات، دخلت كتلة الـ 31 المعارضة في اجتماعات ماراتونية متواصلة، وقامت بصولات وجولات مثلثة الاتجاهات.
تمثّل الاتجاه الأول بمشاورات مكثفة ليل الجمعة - السبت لترشيح شخصية من داخل كتلة الـ 31 التي واجهت يداً واحدة فريق "الممانعة"، ولولا مواجهتها لكان هذا الفريق أعاد وضع يده على الجمهورية عبر رئاسة السلطة التنفيذية، وهذا ما دفعها إلى تسمية مخزومي ليس على أساس المفاضلة بينه وبين ريفي، الذي شكل ويشكل رأس حربة مشروع الدولة الفعلية، إنما باعتبار مخزومي، الذي هو من الطينة نفسها لريفي، يستطيع توفير أكبر نسبة من الأصوات، وبعد موافقة ريفي على ترشيح مخزومي تم الانتقال إلى الخطوة التالية.
أما الاتجاه الثاني، فانصبّت خلاله الجهود كلها بين يومي السبت والأحد على تجميع أصوات لمخزومي الذي ينطلق من 35 صوتاً، وتمحور هذا الجهد على استقطاب أصوات الكتل والنواب لمصلحة مخزومي باعتباره ينطلق من الرقم الأكبر، وقد فتح التواصل مع الكتل والنواب سعياً لجمع الأصوات لمخزومي.
وفي هذا الوقت برز اسم القاضي نواف سلام، وحاولت كتلة الـ 31 وفي طليعتها "القوات اللبنانية" إقناع النواب الذين يؤيدون سلام بتأييد مخزومي، باعتبار أن عددهم بين الـ 15 والـ 20 نائباً، ولكن وجهة النظر التي قدموها بأن الكتلة المؤيدة لسلام ليست واحدة، وعدم تأييده سيؤدي إلى بعثرة أصواتها فيربح الرئيس نجيب ميقاتي، وعند هذا الحد كانت الاجتماعات متواصلة في منزل مخزومي الذي كان ينتظر موقف النائب جبران باسيل، الذي وعده بالتواصل معه صباح الإثنين لإعلامه بموقفه النهائي، وبعد أن أكد له تأييده لسلام، اتخذ مخزومي موقفه بالانسحاب لسلام من منطلق أنه لا يكفي الترشيح المبدئي كموقف، إنما المطلوب بلوغ التكليف، وهذا ما يستدعي التشاور مع الكتل تحقيقاً للتقاطع المطلوب والوصول إلى الرقم الأعلى. فلو كان الترشيح المبدئي هو المطلوب لكان ترشّح الدكتور سمير جعجع للرئاسة وأشرف ريفي أيضاً للحكومة، إنما المطلوب بلوغ بعبدا والسراي عن طريق الشخصيات التي تملك المواصفات وقادرة على الفوز بالاستشارات.
انسحاب مخزومي
وبالنسبة إلى الاتجاه الثالث، ففور انسحاب مخزومي لسلام بدأت كتلة الـ 31 ومن ضمنها "القوات اللبنانية" الاتصالات في الاتجاهات كلها لتحويل ترشيح سلام إلى ترشيح حاسم، خصوصاً أن الأخير يتمتّع بالمواصفات التي تؤيدها الكتلة النيابية السيادية.
وأظهرت كتلة الـ 31 السيادية بمقاربتها مع الانتخابات الرئاسية ومع تكليف رئيس حكومة أنها تبدّي المصلحة اللبنانية العليا على أي اعتبار آخر، وقدّمت تضحية إضافية بخروجها من السباق الرئاسي والحكومي على رغم انتصار مشروعها السياسي، مشروع الدولة الفعلية في لبنان، لأن الأوطان لا تبنى إلا بالتضحيات، ومن خلال رغبة أركانها بالتغيير ولو على حسابهم، لأن مصلحة الوطن تتقدّم على أي شيء آخر.
ما أحدثته المعارضة بتكليف سلام زلزال سياسي يوازي زلزال انتخاب جوزاف عون، فعربة التغيير تسير في المنطقة والقمصان السود تمزّقت وفقدت السيطرة، ودخل لبنان عصراً جديداً من الإدارة السياسية بعدما ساهمت سلطة الممانعة في السنوات الأخيرة بتدميره، لكن تغيرات المنطقة أكبر والآتي بالتأكيد أحسن.
آلان سركيس- نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|